-->

المعاصي وأثرها على البيئة



(ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُمْ بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ)آية 41 من سورة الروم.

حين نلاحظ وضع الكوكب الذي نعيش عليه والمخاطر الذي تتهدده بفعل الانسان نظن أن كل ضرر يقع في البيئة هو عائد الى عبث الإنسان بالطبيعة.(العبث المباشر)
مثل:قطع الغابات بلا رحمة مما يزيد في تقلص كميات المتساقطات، أو الأبخرة والغازات السامة المتصاعدة من المعامل والمصانع والسيارات وغيرها،وهذا يزيد في توسع ثقب الأوزون ويزيد في ارتفاع درجات الحرارة مما يؤدي إلى تصحر في مكان و فيضانات في مكان آخر،كما يزيد في ذوبان الثلوج في القطب الشمالي وما يترتب عليه من كوارث.
وبالعودة الى الآية الكريمة نجد أن الآية ناظرة الى جانب آخر مختلف تماما .وهذا الجانب هو المعاصي والذنوب.
إن المعاصي والذنوب التي يستهتر بها الإنسان كثيرا ويظن أن عواقبها في يوم القيامة من خلال الحساب والعقاب-فقط-وغفل هذا العاصي عن أن الذنوب كما لها آثار يوم القيامة ،لها آثار وخيمة على الحياة البشرية في علاقتها بالبيئة -أيضا- وهذا ما تؤشر له الآية الكريمة.
(ظهر) تعني البيان والوضوح كما تعني الغلبة -ايضا- وأغلب الظن أن المعنى المقصود هنا هو المعنى الثاني
وهو غلبة الفساد على الإصلاح في حياة البشر،لأن الفساد وبالخصوص ماله علاقة بالطبيعة كما تؤشر الآية،لا يكون إلا بينا واضحا لا يخفى على أحد وأضراره ملموسة لكل الناس.

(الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ)
لايخفى وضوح المعنى في الآية .فإن كل عبث بالطبيعة يخل بالتوازن البيئي ويؤثر على الحياة هو فساد. اما البر والبحر فالمقصود به هو: سطح الأرض.


(بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ)
لما سئل احدهم :لماذا السماء صافية قال:لأن ليس فيها بشر.
إذا، وجود الانسان على الارض ومع عبثيته ،وطمعه، وعدم احترامه الأنظمة والقوانين كان كل ضرر بيئي بفعله وبما كسبته يداه.فلا يلومن إلا نفسه.

(لِيُذِيقَهُمْ بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا)
في المقطع من الآية إشارة واضحة للعلاقة بين الفعل والجزاء - أي أن افعالنا من المعاصي بكل أنواعها تنتج فسادا في الكون-.
فالزنى -مثلا- له علاقة بنوع من الفساد على الأرض ،والقتل له نوع آخر وضررآخر، وترك الصلاة له نوع آخر يوازيه على مستوى البيئة.والطبيعة وهكذا...
أرجو التركيز جيدا عند هذه الفكرة ولتوظيح الفكرة سأضرب المثال التالي: إذا كان عندك عامل ينتج مواد صناعية معينة وقلت له: أعطيك بعض عملك اي مقدار ما تنتجه ، فيكون نصيبه مما أنتجت يداه من المواد التي صنعها ،من نفس الصنف.
هذا هو بالضبط ما تقوله الآية المباركة في هذا المقطع منها.
إذا ما نجهله نحن البشر أو لا أقلا البعض منا العلاقة بين معاصينا والأثر البيئي، كأن وحسب فهمنا القاصر أن السرقة و الزنى وشرب الخمر وغيرها من المعاصي لها مردود سيئ علينا عند الجزاء يوم القيامة فقط.
ثم ما نجهله -أيضا- أن هذه الأفعال المنكرة تنقلب على شكل مادي وحسي يتمظهر في اضرار على مستوى الطبيعة.
كما اننا لما نعرض البيئة الى مواد مشعة وسامة محظورة تضر بالبيئة وتفسدها كذلك الذنوب والمعاصي بلا فرق، ضررها على البيئة بالغ الخطورة
وكأنها مواد سامة بل اشد خطورة.
فإذا كان العاصي يتمادى في المعصية ويماطل في التوبة أملا بمزيد من الحياة ،و إذا كان من عقاب على المعصية متروك ليوم القيامة مما يدعو العاصي إلى مزيد من الإستهتار،
و اذا كان هذا العاصي لايحسب حساب ليوم المعاد ،ألا يحسب حسابا لدنياه التي هي منتهى طموحه وغاية أمله ورغبته، أليس هذا العاصي يبحث عن اللذة في الحياة بكل الطرق ولو على حساب دينه وقيمه ؟! ألا يلتفت هذا إلى ما ستؤول اليه دنياه بفعل ذنوبه ؟!. فليفكر في المعصية لا من جهة العقوبة بل من جهة مصلحته الدنيوية ومكاسبه المادية التي هي منتهى امله،فإذا أمعن في المعاصي أثقل كاهله بمزيد من الأزمات الإقتصادية والإجتماية والنفسية.
يقول الإمام الصادق (ع):
(حياة دواب البحر بالمطر فإذا كف المطر ظهر الفساد في البر والبحر وذلك إذا كثرت الذنوب والمعاصي)
ثم يختم ربنا بقوله: (لعلهم يرجعون)
جاء بحرف الترجي أملا في عودة العباد الى سويتهم الفطرية والإقلاع عن المعاصي كي تستقيم حياتهم وما ذلك كله إلا من أجل العبد نفسه ليهنأ بحياة طيبة مباركة .

بقلم : الشيخ عبد الجليل عيادي
المعاصي وأثرها على البيئة Reviewed by shiatube on يناير 03, 2017 Rating: 5

نموذج الاتصال

الاسم

بريد إلكتروني *

رسالة *

يتم التشغيل بواسطة Blogger.