-->

السير على الصراط المستقيم

السير على الصراط المستقيم

الإنسان في هذه المرحلة مؤمن طبعا وعارف بربّه ، لكنه معرّض دوما بسبب العوامل المضادة إلى سلب هذه النعمة والانحراف عن الصراط المستقيم. من هنا كان عليه لزاما أن يكرر عشر مرات في اليوم على الأقل طلبه من الله أن يقيه العثرات والانحرافات.
أضف إلى ما تقدم أن الصراط المستقيم هو دين الله ، وله مراتب ودرجات لا يستوي في طيّها جميع النّاس ، ومهما سما الإنسان في مراتبه ، فثمّة مراتب اخرى أبعد وأرقى،والإنسان المؤمن توّاق دوما إلى السير الحثيث على هذا السلّم الارتقائي ، وعليه أن يستمد العون من الله في ذلك.

ثمة سؤال يتبادر إلى الأذهان عن 

سبب طلبنا من الله الهداية إلى الصراط المستقيم ، ترى هل نحن ضالون كي نحتاج إلى هذه الهداية ؟ 

وكيف يصدر مثل هذا الأمر عن المعصومين وهم نموذج الإنسان الكامل؟!

وفي الجواب نقول :
أوّلا : الإنسان معرض في كل لحظة إلى خطر التعثر والانحراف عن مسير الهداية ـ كما أشرنا إلى ذلك ـ ولهذا كان على الإنسان تفويض أمره إلى الله ، والاستمداد منه في تثبيت قدمه على الصراط المستقيم.
ينبغي أن نتذكر دائما أن نعمة الوجود وجميع المواهب الإلهية ، تصلنا من المبدأ العظيم تعالى لحظة بلحظة. وذكرنا من قبل أننا وجميع الموجودات (بلحاظ معين) مثل مصابيح كهربائية ، النور المستمر في هذه المصابيح يعود إلى وصول الطاقة إليها من المولد الكهربائي باستمرار. فهذا المولّد ينتج كل لحظة طاقة جديدة ويرسلها عن طريق الأسلاك إلى المصابيح لتتحول إلى نور.
وجودنا يشبه نور هذه المصابيح. هذا الوجود ، وإن بدا ممتدا مستمرا ، هو في الحقيقة وجود متجدّد يصلنا باستمرار من مصدر الوجود الخالق الفيّاض.
هذا التجدّد المستمر في الوجود ، يتطلب باستمرار هداية جديدة ، فلو حدث خلل في الأسلاك المعنوية التي تربطنا بالله ، كالظلم والإثم و... فإن ارتباطنا بمنبع الهداية سوف ينقطع ، وتزيغ أقدامنا فورا عن الصراط المستقيم.
نحن نتضرّع إلى الله في صلواتنا أن لا يعتري ارتباطنا به مثل هذا الخلل ، وأن نبقى ثابتين على الصراط المستقيم.
ثانيا : الهداية هي السير على طريق التكامل ، حيث يقطع فيه الإنسان تدريجيا مراحل النقصان ليصل إلى المراحل العليا. وطريق التكامل ـ كما هو معلوم ـ غير محدود،وهو مستمر الى اللانهاية.
ممّا تقدّم نفهم سبب تضرّع حتى الأنبياء والأئمة عليهم‌السلام لله تعالى أن يهديهم (الصِّراطَ الْمُسْتَقِيمَ) ، فالكمال المطلق لله تعالى ، وجميع ما سواه يسيرون على طريق التكامل ، فما الغرابة في أن يطلب المعصومون من ربّهم درجات أعلى؟!

 نحن نصلّي على محمّد وآل محمّد ، والصلاة تعني طلب رحمة إلهية جديدة لمحمّد وآل محمّد ، ومقام أعلى لهم.
والرّسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال : (رَبِّ زِدْنِي عِلْماً) (1).
والقرآن الكريم يقول : (وَيَزِيدُ اللهُ الَّذِينَ اهْتَدَوْا هُدىً) (2).
ويقول : (وَالَّذِينَ اهْتَدَوْا زادَهُمْ هُدىً وَآتاهُمْ تَقْواهُمْ) (3).
ولمزيد من التوضيح نذكر الحديثين التاليين :
١ ـ عن أمير المؤمنين علي عليه‌السلام ، قال في تفسير (اهْدِنَا الصِّراطَ الْمُسْتَقِيمَ):أي: «أدم لنا توفيقك الّذي أطعناك به في ما مضى من أيّامنا ، حتّى نطيعك في مستقبل أعمارنا» (4).
٢ ـ وقال الإمام جعفر بن محمّد الصادق عليه‌السلام : «يعني أرشدنا للزوم الطّريق المؤدّي إلى محبّتك ، والمبلّغ إلى جنتّك ، والمانع من أن نتّبع أهواءنا فنعطب ، أو أن نأخذ بآرائنا فنهلك» (5).

 

ما هو الصّراط المستقيم؟  

  هذا الصّراط كما يبدو من تفحص آيات الذكر الحكيم هو دين التوحيد

والالتزام بأوامر الله. ولكنه ورد في القرآن بتعابير مختلفة.
فهو الدين القيم ونهج إبراهيم عليه‌السلام ونفي كل أشكال الشّرك كما جاء في قوله تعالى:(قُلْ إِنَّنِي هَدانِي رَبِّي إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ دِيناً قِيَماً مِلَّةَ إِبْراهِيمَ حَنِيفاً وَما كانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ) (6) ، فهذه الآية الشريفة عرّفت الصراط المستقيم من جنبة ايديولوجية.
وهو أيضا رفض عبادة الشيطان والاتجاه إلى عبادة الله وحده ، كما في قوله :(أَلَمْ أَعْهَدْ إِلَيْكُمْ يا بَنِي آدَمَ أَنْ لا تَعْبُدُوا الشَّيْطانَ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ وَأَنِ اعْبُدُونِي هذا صِراطٌ مُسْتَقِيمٌ) (7) ، وفيها إشارة إلى الجنبة العملية للدين.
أمّا الطريق إلى الصراط المستقيم فتمّ من خلال الاعتصام بالله : (وَمَنْ يَعْتَصِمْ بِاللهِ فَقَدْ هُدِيَ إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ) (8).
يلزمنا أن نذكر أنّ الطريق المستقيم هو طريق واحد لا أكثر ، لأنه لا يوجد بين نقطتين أكثر من خطّ مستقيم واحد ، يشكل أقصر طريق بينهما. من هنا كان الصراط المستقيم في المفهوم القراني ، هو الدين الإلهي في الجوانب العقائدية والعملية ، ذلك لأن هذا الدين أقرب طريق للارتباط بالله تعالى. ومن هنا أيضا فإن الدين الحقيقي واحد لا أكثر (إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللهِ الْإِسْلامُ) (9).
من هذا يتضح أن التفاسير المختلفة للصراط المستقيم ، تعود كلها إلى معنى واحد.
فقد قالوا : إنه الإسلام.
وقالوا : إنه القرآن.
وقالوا : إنه الأنبياء والأئمة.
وقالوا : إنه دين الله ، الذي لا يقبل سواه.
وكل هذا المعاني تعود إلى نفس الدين الإلهي في جوانبه الاعتقادية والعملية.
والروايات الموجودة في المصادر الإسلامية في هذا الحقل ، تشير إلى جوانب متعددة من هذه الحقيقة الواحدة ، وتعود جميعا إلى أصل واحد منها :
عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «اهدنا الصّراط المستقيم صراط الأنبياء ، وهم الّذين أنعم الله عليهم(10).
وعن جعفر بن محمّد الصادق عليه‌السلام في تفسير الاية : (اهْدِنَا الصِّراطَ الْمُسْتَقِيمَ)، قال : «الطّريق هو معرفة الإمام» (11).
وعنه أيضا : «والله نحن الصّراط المستقيم» (12).
وعنه أيضا : «الصّراط المستقيم أمير المؤمنين عليه‌السلام» (13).
ومن الواضح أن النّبي صلى‌ الله‌ عليه‌ وآله‌ وسلم ، وأئمّة أهل البيت عليهم‌السلام ، دعوا جميعا إلى دين التوحيد الإلهي ، والالتزام به  عقائديا وعمليا.
واللافت للنظر ، أنّ «الراغب» يقول في مفرداته في معنى الصراط : إنّه الطريق المستقيم ، فكلمة الصراط تتضمّن معنى الاستقامة. ووصفه بالمستقيم كذلك تأكيد على هذه الصفة.

__________________
(1) طه ، ١١٤.
(2) مريم ، ٧٦.
(3) محمّد ، ١٧.
(4) معاني الاخبار ، وتفسير الإمام الحسن العسكري ، نقلا عن تفسير الصافي ذيل الآية المذكورة.
(5) معاني الاخبار ، وتفسير الإمام الحسن العسكري ، نقلا عن تفسير الصافي.
(6) الأنعام ، ١٦١.
(7) يس ، ٦١ و ٦٢.
(8) آل عمران ، ١٠١.
(9) آل عمران ، ١٩.
(10 ،11 ، 12 ، 13) ـ تفسير نور الثقلين ، ج ١ ، ص ٢٠ و ٢١.

السير على الصراط المستقيم Reviewed by shiatube on فبراير 25, 2017 Rating: 5

نموذج الاتصال

الاسم

بريد إلكتروني *

رسالة *

يتم التشغيل بواسطة Blogger.