خطبة الجمعة | الشيخ عبد المهدي الكربلائي 12 1 2018

نص الخطبة الاولى
بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله الذي انقطعت اليه كل علة وله انتهت كل قدرة ولإرادته خضعت كل ارادة، وبه تعلّق كل سبب، واليه توجَّه كل طلب ورجع كل امر، فهو الله رب العالمين ومالك ازمتهم اجمعين، واشهد ان لا إله الا الله وحده لا شريك له، واشهد ان محمدا (صلى اله عليه واله وسلم) عبده ورسوله بعثه لخير الاديان وأيده بمعجزة القرآن.
اوصيكم عباد الله تعالى وقبل ذلك اوصي نفسي بتقوى الله تعالى والايمان به وبرسوله واهل بيته (عليهم السلام) ومعرفة حقهم، وقوا انفسهم واهليكم ناراً غليظةً وقودها الناس والحجارة واسعوا الى إصلاح انفسكم وتطهيرها من مذام الصفات وسيئ الافعال.
أيها الاخوة والاخوات ما زلنا في كلمات سيد البلغاء امير المؤمنين علي بن ابي طالب (عليهما السلام) فقال من ضمن كلامه لرجل سأله ان يعظه: (لاَ تَكُنْ مِمَّنْ يَرْجُو اَلآْخِرَةَ بِغَيْرِ عَمَلٍ وَ يَرْجُو اَلتَّوْبَةَ بِطُولِ اَلْأَمَلِ يَقُولُ فِي اَلدُّنْيَا بِقَوْلِ اَلزَّاهِدِينَ وَ يَعْمَلُ فِيهَا بِعَمَلِ اَلرَّاغِبِينَ إِنْ أُعْطِيَ مِنْهَا لَمْ يَشْبَعْ وَ إِنْ مُنِعَ مِنْهَا لَمْ يَقْنَعْ يَعْجِزُ عَنْ شُكْرِ مَا أُوتِيَ وَ يَبْتَغِي اَلزِّيَادَةَ فِيمَا بَقِيَ يَنْهَى وَ لاَ يَنْتَهِي وَ يَأْمُرُ اَلنَّاسَ بِمَا لَمْ يَأْتِ بِمَا لاَ يَأْتِي).
من عظم هذه الموعظة أن قال عنها الشريف الرضي الذي جمع وحفظ خطب نهج البلاغة (ولو لم يكن في هذا الكتاب إلاّ هذا الكلام لكفى به موعظةً ناجعةً، وحكمةً بالغةً، وبصيرةً لمبصر و، عبرةً لناظر مفكّر).
نذكر اولاً ما هو الغرض من الموعظة، وكيف ان الشرائع الإلهية والأنبياء والأوصياء (عليهم السلام) جميعاً اهتموا بها، ويراد منها ارشاد الجاهل وتنبيه الغافل وتنشيط الكاسل بأمور الدين ربما يكون الواحد منا جاهلاً هذه الموعظة تعلمه وترشده وربما يكون غافلاً هذه تنبه من غفلته، وربما يكون منتبهاً ولكن ينتابه الكسل والاتكال واللامبالاة، وتفوت عليه منافعها، فإذاً الموعظة لرشاد الجاهل وتنبيه الغافل وتنشيط الكاسل وهي من المهام الاساسية للشرائع الالهية، ومن المهام الاساسية للأنبياء والأوصياء من اجل فتح القلوب للقوانين الالهية وتقبُّلها من غير اجبار.
نال المسلمون كافة مواعظ كافية وشافية وهذه الموعظة بينت اصول الرذائل التي هي سبب لأمراض القلوب ونبهت على كيفية معالجتها.
ويقول (عليه السلام): (لاَ تَكُنْ مِمَّنْ يَرْجُو اَلآْخِرَةَ بِغَيْرِ عَمَلٍ وَ يَرْجُو اَلتَّوْبَةَ بِطُولِ اَلْأَمَلِ...).
قانون الحياة قائم على ان الانسان لا ينال مطالبه في الامور المادية الا من خلال نتاج سعيه وكده وحده، ولابد ان يسعى ويستثمر طاقاته وامكانياته، اما بمجرد ان يتمنى ويأمل ويرجو، فان لا قيمة ولا اعتبار لهذه الاماني وتعتبر اماني كاذبة كلما كان الشيء مطلوب للإنسان اعظم وارقى كان محتاجاً الى سعي وجهاد اكبر؛ لأنه اعلى مرتبة، هذا في الامور الدنيوية.
أما بخصوص الأمور الأخروية التي فيها النعيم الذي وصفه القرآن الكريم والاحاديث الشريفة، وما هو في الاخرة لا يخطر على بال احد ولا يسعه خياله أن يرسم صورة لهذا النعيم الدائم.
لذلك اخواني ماذا نستفيد من هذه العظة؟ اذا اردت جنات النعيم والجنة فيها مراتب ليس كلها على حد سواء بعضها اشرف من البعض الاخر، وهذا يعتمد على مرتبة العمل الصالح والعلاقة بالله تعالى، اذا كان لديك امل صادق وترجو الله تعالى، فعليك بالسعي والمبادرة واستثمار وقتك ما بقي من عمرك لكي تقوم بالعمل الصالح الذي يحقق رجاء الآخرة.
فالمطلوب من المؤمن اولاً: النجاة والخلاص من العقاب والعذاب، ثانيا: نيل الجنة، الأمر الأول يأتي بالعمل الصالح، المشكلة هنا ان الانسان هو خطاء وخير الخطائين التوابون ودائماً ما يرتكب الذنوب والمعاصي يحتاج ان يلتفت الى معصيته وذبنه ويتوب التوبة الصادقة، التوبة الصادقة تحتاج الى عمل طويل فقد يكون مقصرا في الامور العبادية مع الله تعالى، وقد يكون مقصراً في الحقوق المالية، قد تكون عليك حقوق مالية لإنسان ما فعليك ان تسعى حتى تبرئ ذمتك من المال.
ما معنى (طول الأمل)؟
إن الانسان يعتقد ان حياته وعمره طويل، ويقيس عمره بعمر الآخرين ويكون له طول امل في الحياة، ويمكن ان يتوب في الأمور الدنيوية، وقد يؤخر التوبة ويغتر بشبابه وصحته وقوته.
إن الاعمار تقدر من الله سبحانه وتعالى هو الذي يتحكم بالحياة والعمر، لذلك قد يفاجئ الانسان الموتُ وسجلاته مملوءة بالذنوب والمعاصي وتفوته تلك الامور من هنا الامام (عليه السلام) يقول: (لاَ تَكُنْ مِمَّنْ يَرْجُو اَلآْخِرَةَ بِغَيْرِ عَمَلٍ وَ يَرْجُو اَلتَّوْبَةَ بِطُولِ اَلْأَمَلِ...).
والحديث عن رسول الله( ايها الانسان انه ليس بين الله وبين احد شيء يعطيه به خيراً او يصرف عنه به شرًّا)
فلا توجد صلة بيننا وبين الله تعالى الله لكي يصرف عنا الشر الى العمل الصالح، ولو عصاه الانسان فعليه ان ينادر ويسارع الى التوبة.
ثم يقول (عليه السلام): ( مسوف نفسه بالتوبة من هجوم الاجل على اعظم الخطر) الذي يؤجل التوبة الى وقت آخر، لابد ان يراقب الإنسان ويحضِّر ويبادر الى التوبة عاجلاً.
ويحذر الامام (عليه السلام) من الازدواجية والتناقض بين الأقوال والأفعال والظاهر والباطن، البعض يتظاهر بأنه من الزاهدين في الدنيا ولكن اعمالهم مخالفة، فالمشكلة في هذا الانسان ان لسانه لا يعكس حال قلبه، انظروا إلى قلوبكم هل فيها تعلقٌّ في الدنيا وينعكس على حرصك على الدنيا اصلح نفسك اولاً واعملوا بما تقولون وتدعون اليه ثم بعد ذلك ادعوا الى هذا الزهد في الدنيا.
ثم يقول(عليه السلام): (إِنْ أُعْطِيَ مِنْهَا لَمْ يَشْبَعْ وَ إِنْ مُنِعَ مِنْهَا لَمْ يَقْنَعْ) فإذا أعطي الانسان من نعم الدنيا لا يشبع، وكلما أعطي نعمة يحتاج الى المزيد، ولا يتوقف عن حد، واذا منع ليس معناه أنه أقتنع، فالكثير من التصرفات تدل على عدم قناعته.
الانسان يحب ازدياد النعم ولكن المؤمن يضبط غريزته وفق ما يريده الله تعالى بأن لا يقع بالجشع والحرص على امور الدنيا، لذلك يقول الامام ضع حداً لهذه الغريزة، واذا اثريت هذه الغريزة على حياة توقف، ثم ان منعت منها فإن هذه النعم بيد الله تعالى قدّرها وفق المصالح للمؤمن، فاذا تعرض البعض الى ضيق في الزرق لا يعترض على الله تعالى؛ لان الله يعطي العباد على قدر مصالحهم، لذلك حينما يعتقد الانسان المؤمن ان هذه النعم تنزل بقدر من الله تعالى لا وفق نشاطه وذكائه وحدقاته.
البعض يقول: ان الانسان ذكي عاقل نشط خبير في هذه الامور اذا ازدادت هذه النعم عليه، لا، هذه الامور بيد الله تعالى الانسان المؤمن الذي يعتقد ان الله تعالى يقدر له من المال والجاه والمنصب والصحة والامتيازات بقدر المصلحة، فإذا منع من بعضها فلأن ذلك توافق مع مصالحه الخاصة فتنشأ من ذلك القناعة والرضا بقدر الله تعالى.
إن الجشع في الدنيا مثله كما في هذا الحديث عند الامام الصادق (عليه السلام) يقول (مَثَلُ الدُّنْيَا كَمَثَلِ مَاءِ الْبَحْرِ كُلَّمَا شَرِبَ مِنْهُ الْعَطْشَانُ ازْدَادَ عَطَشاً حَتَّى يَقْتُلَهُ) هذا الانسان الطماع والجشع في الدنيا يظل في طلب المزيد والمزيد الى ان يهلك بسبب جشعه، كذلك الظمآن الى الدنيا الذي لا يرتوي منها يحاول ان يزيد منها الى ان تقتله هذه الدنيا وتقتله صفة الجشع والطمع.
نسال الله تعالى ان يجعلنا من المتعظين المنتفعين بهذه العظات والحكم البليغة، انه سميع مجيب.
بسم الله الرحمن الرحيم (قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ (1) اللَّهُ الصَّمَدُ (2) لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ (3) وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ (4)).
اوصيكم عباد الله تعالى وقبل ذلك اوصي نفسي بتقوى الله تعالى والايمان به وبرسوله واهل بيته (عليهم السلام) ومعرفة حقهم، وقوا انفسهم واهليكم ناراً غليظةً وقودها الناس والحجارة واسعوا الى إصلاح انفسكم وتطهيرها من مذام الصفات وسيئ الافعال.
أيها الاخوة والاخوات ما زلنا في كلمات سيد البلغاء امير المؤمنين علي بن ابي طالب (عليهما السلام) فقال من ضمن كلامه لرجل سأله ان يعظه: (لاَ تَكُنْ مِمَّنْ يَرْجُو اَلآْخِرَةَ بِغَيْرِ عَمَلٍ وَ يَرْجُو اَلتَّوْبَةَ بِطُولِ اَلْأَمَلِ يَقُولُ فِي اَلدُّنْيَا بِقَوْلِ اَلزَّاهِدِينَ وَ يَعْمَلُ فِيهَا بِعَمَلِ اَلرَّاغِبِينَ إِنْ أُعْطِيَ مِنْهَا لَمْ يَشْبَعْ وَ إِنْ مُنِعَ مِنْهَا لَمْ يَقْنَعْ يَعْجِزُ عَنْ شُكْرِ مَا أُوتِيَ وَ يَبْتَغِي اَلزِّيَادَةَ فِيمَا بَقِيَ يَنْهَى وَ لاَ يَنْتَهِي وَ يَأْمُرُ اَلنَّاسَ بِمَا لَمْ يَأْتِ بِمَا لاَ يَأْتِي).
من عظم هذه الموعظة أن قال عنها الشريف الرضي الذي جمع وحفظ خطب نهج البلاغة (ولو لم يكن في هذا الكتاب إلاّ هذا الكلام لكفى به موعظةً ناجعةً، وحكمةً بالغةً، وبصيرةً لمبصر و، عبرةً لناظر مفكّر).
نذكر اولاً ما هو الغرض من الموعظة، وكيف ان الشرائع الإلهية والأنبياء والأوصياء (عليهم السلام) جميعاً اهتموا بها، ويراد منها ارشاد الجاهل وتنبيه الغافل وتنشيط الكاسل بأمور الدين ربما يكون الواحد منا جاهلاً هذه الموعظة تعلمه وترشده وربما يكون غافلاً هذه تنبه من غفلته، وربما يكون منتبهاً ولكن ينتابه الكسل والاتكال واللامبالاة، وتفوت عليه منافعها، فإذاً الموعظة لرشاد الجاهل وتنبيه الغافل وتنشيط الكاسل وهي من المهام الاساسية للشرائع الالهية، ومن المهام الاساسية للأنبياء والأوصياء من اجل فتح القلوب للقوانين الالهية وتقبُّلها من غير اجبار.
نال المسلمون كافة مواعظ كافية وشافية وهذه الموعظة بينت اصول الرذائل التي هي سبب لأمراض القلوب ونبهت على كيفية معالجتها.
ويقول (عليه السلام): (لاَ تَكُنْ مِمَّنْ يَرْجُو اَلآْخِرَةَ بِغَيْرِ عَمَلٍ وَ يَرْجُو اَلتَّوْبَةَ بِطُولِ اَلْأَمَلِ...).
قانون الحياة قائم على ان الانسان لا ينال مطالبه في الامور المادية الا من خلال نتاج سعيه وكده وحده، ولابد ان يسعى ويستثمر طاقاته وامكانياته، اما بمجرد ان يتمنى ويأمل ويرجو، فان لا قيمة ولا اعتبار لهذه الاماني وتعتبر اماني كاذبة كلما كان الشيء مطلوب للإنسان اعظم وارقى كان محتاجاً الى سعي وجهاد اكبر؛ لأنه اعلى مرتبة، هذا في الامور الدنيوية.
أما بخصوص الأمور الأخروية التي فيها النعيم الذي وصفه القرآن الكريم والاحاديث الشريفة، وما هو في الاخرة لا يخطر على بال احد ولا يسعه خياله أن يرسم صورة لهذا النعيم الدائم.
لذلك اخواني ماذا نستفيد من هذه العظة؟ اذا اردت جنات النعيم والجنة فيها مراتب ليس كلها على حد سواء بعضها اشرف من البعض الاخر، وهذا يعتمد على مرتبة العمل الصالح والعلاقة بالله تعالى، اذا كان لديك امل صادق وترجو الله تعالى، فعليك بالسعي والمبادرة واستثمار وقتك ما بقي من عمرك لكي تقوم بالعمل الصالح الذي يحقق رجاء الآخرة.
فالمطلوب من المؤمن اولاً: النجاة والخلاص من العقاب والعذاب، ثانيا: نيل الجنة، الأمر الأول يأتي بالعمل الصالح، المشكلة هنا ان الانسان هو خطاء وخير الخطائين التوابون ودائماً ما يرتكب الذنوب والمعاصي يحتاج ان يلتفت الى معصيته وذبنه ويتوب التوبة الصادقة، التوبة الصادقة تحتاج الى عمل طويل فقد يكون مقصرا في الامور العبادية مع الله تعالى، وقد يكون مقصراً في الحقوق المالية، قد تكون عليك حقوق مالية لإنسان ما فعليك ان تسعى حتى تبرئ ذمتك من المال.
ما معنى (طول الأمل)؟
إن الانسان يعتقد ان حياته وعمره طويل، ويقيس عمره بعمر الآخرين ويكون له طول امل في الحياة، ويمكن ان يتوب في الأمور الدنيوية، وقد يؤخر التوبة ويغتر بشبابه وصحته وقوته.
إن الاعمار تقدر من الله سبحانه وتعالى هو الذي يتحكم بالحياة والعمر، لذلك قد يفاجئ الانسان الموتُ وسجلاته مملوءة بالذنوب والمعاصي وتفوته تلك الامور من هنا الامام (عليه السلام) يقول: (لاَ تَكُنْ مِمَّنْ يَرْجُو اَلآْخِرَةَ بِغَيْرِ عَمَلٍ وَ يَرْجُو اَلتَّوْبَةَ بِطُولِ اَلْأَمَلِ...).
والحديث عن رسول الله( ايها الانسان انه ليس بين الله وبين احد شيء يعطيه به خيراً او يصرف عنه به شرًّا)
فلا توجد صلة بيننا وبين الله تعالى الله لكي يصرف عنا الشر الى العمل الصالح، ولو عصاه الانسان فعليه ان ينادر ويسارع الى التوبة.
ثم يقول (عليه السلام): ( مسوف نفسه بالتوبة من هجوم الاجل على اعظم الخطر) الذي يؤجل التوبة الى وقت آخر، لابد ان يراقب الإنسان ويحضِّر ويبادر الى التوبة عاجلاً.
ويحذر الامام (عليه السلام) من الازدواجية والتناقض بين الأقوال والأفعال والظاهر والباطن، البعض يتظاهر بأنه من الزاهدين في الدنيا ولكن اعمالهم مخالفة، فالمشكلة في هذا الانسان ان لسانه لا يعكس حال قلبه، انظروا إلى قلوبكم هل فيها تعلقٌّ في الدنيا وينعكس على حرصك على الدنيا اصلح نفسك اولاً واعملوا بما تقولون وتدعون اليه ثم بعد ذلك ادعوا الى هذا الزهد في الدنيا.
ثم يقول(عليه السلام): (إِنْ أُعْطِيَ مِنْهَا لَمْ يَشْبَعْ وَ إِنْ مُنِعَ مِنْهَا لَمْ يَقْنَعْ) فإذا أعطي الانسان من نعم الدنيا لا يشبع، وكلما أعطي نعمة يحتاج الى المزيد، ولا يتوقف عن حد، واذا منع ليس معناه أنه أقتنع، فالكثير من التصرفات تدل على عدم قناعته.
الانسان يحب ازدياد النعم ولكن المؤمن يضبط غريزته وفق ما يريده الله تعالى بأن لا يقع بالجشع والحرص على امور الدنيا، لذلك يقول الامام ضع حداً لهذه الغريزة، واذا اثريت هذه الغريزة على حياة توقف، ثم ان منعت منها فإن هذه النعم بيد الله تعالى قدّرها وفق المصالح للمؤمن، فاذا تعرض البعض الى ضيق في الزرق لا يعترض على الله تعالى؛ لان الله يعطي العباد على قدر مصالحهم، لذلك حينما يعتقد الانسان المؤمن ان هذه النعم تنزل بقدر من الله تعالى لا وفق نشاطه وذكائه وحدقاته.
البعض يقول: ان الانسان ذكي عاقل نشط خبير في هذه الامور اذا ازدادت هذه النعم عليه، لا، هذه الامور بيد الله تعالى الانسان المؤمن الذي يعتقد ان الله تعالى يقدر له من المال والجاه والمنصب والصحة والامتيازات بقدر المصلحة، فإذا منع من بعضها فلأن ذلك توافق مع مصالحه الخاصة فتنشأ من ذلك القناعة والرضا بقدر الله تعالى.
إن الجشع في الدنيا مثله كما في هذا الحديث عند الامام الصادق (عليه السلام) يقول (مَثَلُ الدُّنْيَا كَمَثَلِ مَاءِ الْبَحْرِ كُلَّمَا شَرِبَ مِنْهُ الْعَطْشَانُ ازْدَادَ عَطَشاً حَتَّى يَقْتُلَهُ) هذا الانسان الطماع والجشع في الدنيا يظل في طلب المزيد والمزيد الى ان يهلك بسبب جشعه، كذلك الظمآن الى الدنيا الذي لا يرتوي منها يحاول ان يزيد منها الى ان تقتله هذه الدنيا وتقتله صفة الجشع والطمع.
نسال الله تعالى ان يجعلنا من المتعظين المنتفعين بهذه العظات والحكم البليغة، انه سميع مجيب.
بسم الله الرحمن الرحيم (قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ (1) اللَّهُ الصَّمَدُ (2) لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ (3) وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ (4)).
نص الخطبة الثانية
لا زلنا في منظومة القواعد الاخلاقية والاجتماعية التي دعا اليها الاسلام في المعاشرة بين المؤمنين.. وسبق ان بينا في خطب سابقة ان الاسلام حرص على اقامة روابط وعلاقات اجتماعية تحفظ للمجتمع تماسكه وقوته وارتباط افراده برباط يحقق للمجتمع امنه الاجتماعي واستقراره وسعادته وانتظام اموره ويوفر القدرة على مواجهة التحديات والمصاعب والمشاكل المختلفة التي يواجهها خلال حركته الاجتماعية وشدّد على اهمية ادامة هذه الروابط والحفاظ على قوة هذا التماسك الاجتماعي وحذّر من المخاطر والخرق لهذه المنظومة الاجتماعية وبيّن الاثار الاجتماعية والاخلاقية الخطيرة التي سينزلق اليها المجتمع فيما لو لم يلتزم بها..
وفي هذه الخطبة نذكر بعضاً من المخاطر والتحديات التي تتعرض لها سلامة هذه المنظومة الاجتماعية خصوصاً على مستوى الشعوب والاوطان وليس في داخل العراق فقط بل داخل العراق وخارجه وعلى مستوى المجموعات الاجتماعية والاقتصادية والسياسية والثقافية، اخطر شيء والذي هو من التحديات والمخاطر ما نذكره في النقطة الاولى:
1- النظرة الفوقية والاستعلائية على الاخرين:
ان هذا الانسان او المجتمع او اصحاب المذهب او اصحاب الدين او الفكر ينظرون لانفسهم على انهم افضل من الاخرين وانهم فوقهم وان الاخرين دونهم وهذه النظرة الفوقية للنفس وللمجموعة ولكل كيان والنظرة الدونية للاخرين.. وهذه النظرة تؤدي الى التكبّر والاستعلاء والتعدّي على الاخرين وقتلهم والتنكيل بهم وغير ذلك وهذا ينشأ من مجموعة من انواع التعصّب وعلى رأسها:
أ- التعصّب الديني او المذهبي:
تعلمون اخواني هناك اختلاف في العقائد الدينية والمذهبية وبعض اصحاب هذه الديانات او المذاهب يعتقد بأنه هو الأفضل وهو الأقوم وهو الأصلح ولا توجد مشكلة لصاحب الحق في ذلك، ولكن لو كان يعتقد بأنه الاصلح والأفضل وهو ليس كذلك وهذه الخطورة الأولى.. والأمر الآخر ما يتعامل به مع اصحاب الديانات والمذاهب الاخرى على ضوء نظرته الفوقية والدونية للاخرين هنا تأتي الخطورة حينئذ سيشعر بأن الاخرين ليسوا هم الافضل وهو له البقاء حتى يصلح به المجتمع والمجتمعات الاخرى حيث انه يعتقد بأنه هو الأصلح والأقوم فلابد ان يكون له البقاء والاخرين ليسوا كذلك هم أصحاب ضلال وباطل ويشكلون خطراً عليه وعلى بقية اصحابه على ضوء هذه النظرة يستعمل ربما اسلوب العنف مع الاخرين ويحاول تصفيتهم والتنكيل بهم والقتل او غير ذلك من الاساليب التي تهدد السلم الاجتماعي.
كيف نعالج هذه القضية؟
القرآن الكريم والاحاديث الشريفة تبين ان هناك اختلاف في الديانات والمذاهب المتعددة وهذا الاختلاف هو أمر واقع لا مجال لتغييره الى يوم القيامة.. لكن لا يُساء فهم هذه العبارة من قبل البعض..
هل يعني هذا الكلام ان اصحاب الدين الحق والمذهب الحق لا يدعون الى أحقيتهم والى دين الحق ومذهب الحق ولا يدعون الناس ويبينون لهم أحقية هذا الدين والمذهب؟! كلا.. ليس هذا يختلف..
نعم هم عليهم ان يبينوا هذا الحق ولكن بالدليل والحجة والبرهان ولا يستعملوا اسلوب الازدراء والاحتقار الى الاخرين والتسقيط لهم ولرموزهم، المشكلة هنا انه احياناً صاحب الحق لا يطرح قضيته الحق بالدليل والبرهان والحجة والاسلوب الذي فيه احترام للآخرين ومن خلاله يدخل الى قلوبهم.. بل قد يستخدم اسلوب التحقير والازدراء من الاخرين ولمذهبهم ولرموزهم وهذا الذي يهدد السلم الاجتماعي ويولّد الكراهية والحقد..
الاسلام دعا ان اصحاب الحق يدعون لدعوتهم الحق بالحكمة والموعظة الحسنة واحترام الاخر مما يعني ان هناك دعوة لاحترام التعددية الدينية والمذهبية وهذا لا يتنافى مع ان اصحاب الحق يدعون من خلال وسائلهم كافة ويبينون هذا الحق وبالاسلوب الذي جاء به هذا القران الكريم..ولهم الحرية المنضبطة التي تعني ان لأصحاب الدعوة الحق ان لهم الحرية في ان يدعو الى هذا الدين والمذهب الحق ولكن ضمن الضوابط التي تحفظ السلم الاجتماعي للمجتمع بحيث لا تتحول الحالة الى كراهية وبغض وعداوة وتنافر وتحارب بين اصحاب المذهب الحق واصحاب الباطل الا اذا اعتدى اصحاب الباطل فأصحاب الحق لهم ان يدافعوا..
ب- التعصب الفكري:
وصاحب هذا التعصب ربما لا يكون له فكر وعقيدة دينية او مذهبية بل هو يعتقد بافكار وضعية ثقافية او فكرية او اجتماعية.. ومثل هؤلاء المتعصبين لأفكارهم العامة يعيشون حالة الانغلاق الفكري ويجمدون على آرائهم ومعتقداتهم ويأنفون من التغيير والتطور ويرفضون مناقشة آرائهم ويتشددون ويهاجمون الاخرين ويطعنون فيهم – وربما- يستخدمون اساليب العنف لترجمة هذا الموقف التعصبي اذ يعتقد ان الاخر على باطل وضلال، وينشر مثل هذا التعصب بذور الفرقة والعداء والحقد ويحوّل القوى البناءّة الفكرية والعلمية التي ينبغي ان تستخدم في تطوير حركة المجتمع نحو التضاد والتصارع الذاتي فيما بينهما-.
فمثلا ً قد يكون هناك طبيب او مهندس او استاذ او معلم او موظف او رجل يحمل من هذه العلوم يعتقد انه الافضل لا يقبل نقد الاخرين ولا يقبل بيان آراء الاخرين بحق ما لديه من علم او خبرة او غير ذلك من الاراء الاجتماعية او الاقتصادية او الفكرية فتراه يتكبر ويصيبه الغرور ولا يقبل أي نقد او بيان لخلل في فكره..
التفتوا اخواني ان النظريات العلمية والاجتماعية والاقتصادية والعلوم الموجودة ناشئة من التعاون العلمي بين الجميع فتجد الافكار تجتمع بمجموعة افكار من مجموعة من العلماء وتجتمع في نظرية واحدة وهذا التعاون العلمي بين الجميع ومحصلة افكار الجميع تصل الى النظرية المفيدة للمجتمع نتيجة محصلة الاراء الكثيرة والبعض يؤشر الخلل لدى البعض الاخر لو وجد لذلك نحصل على النظرية الافضل..
واذا كنت انا اشعر انني افضل من الاخرين واتكبر عليهم فهذا سيؤدي الى ان الاخرين سينفرون مني ويكرهونني ويعادونني تحصل حالة النفور والمعاداة وحينئذ سيحصل الانقطاع العلمي بين المجموع والذي يفوّت علينا فرصة تحصل هذا المجموع العلمي الناشيء من مجموعة من اصحاب العلوم والخبرة..
ج- التعصب الوطني او العشائري او القبلي:
لاشك ان كل انسان يرتبط بأرض او قومية او عشرية يعتز بهذا الارتباط فاذا كان ضمن حدوده كان ايجابياً ولكن لو تحول الى اعتقاد بالأفضلية والاشرفية على الاخرين فإنه سيتحول الى هذه النظرة الفوقية لوطنه او قومه او عشيرته والدونية للاخرين وسيحاول اصحاب هذا التعصب السيادة على الاخرين والتحكم بهم وبسط سيطرتهم عليهم وينشأ عنه الصراع المجتمعي او الوطني ويصاحبها الكراهية والعداء والذي يؤدي الى التقاتل والتحارب..
وانا اود من اخواني رؤوساء العشائر والقبائل ان يلتفتوا لهذه النقطة ولا يشعر بأنه هو أفضل من الاخرين اذ لابد ان اجلس مع الاخرين واتفاهم معهم ولا اُشعرهم بأني الافضل والاقوى واحاول فرض ما لدي من اعراف واحكام وتقاليد واحاول ان اهيمن على الاخرين فهذا من الامور التي تؤدي الى الصراع والتناحر والعداوات..
د- التعصب السياسي:
وصاحب هذا التعصب يعتقد ان افكاره السياسية هي الاصلح والافضل وان منهاجه السياسي هو الاقدر على تحقيق مصالح البلد وان غيره دونه في ذلك فهو أقدر وأفضل من الاخرين في ادارة الامور السياسية فيحاول يجني اكبر المكاسب السياسية او يحاول ان يستحوذ على حقوق الاخرين ويمنعهم من حقوقهم ويرفض انتقادات الاخرين وتعرضهم لبيان الخلل في فكره السياسي وذكرهم لزلاته وعثراته في ادارة الامور العامة وربما يلجأ الى محاربتهم وتسقيطهم اجتماعياً واخلاقياً وسياسياً من اجل ازاحتهم عن طريقه حينما يشعر بخطورة الاخرين عليه..
فتراه يتكبر ويعلو ولا يقبل من الاخرين نقدهم وبيان الخلل في فكره ومنهاجه..، حينئذ تبتلي الامّة والشعب بمثل هذا النوع من التعصب السياسي الذي مخاطره كثيرة..
نسأل الله تعالى ان يعصمنا من ذلك ويوفقنا ان شاء الله تعالى لما يحب ويرضى انه سميع مجيب والحمد لله رب العالمين وصلى الله على محمد وآله الطاهرين..
خطبة الجمعة | الشيخ عبد المهدي الكربلائي 12 1 2018
Reviewed by shiatube
on
يناير 12, 2018
Rating:

ليست هناك تعليقات: